حظيت مصر من إصطفاء الله لها فى القرآن الكريم بنصيب وافر زمانا ومكانا وشخوصا وتفاعلات ونتائج جمعا لمقومات الحدث التاريخى وتوثيقا لصفحات غاية فى الأهمية فى ملاحم الصراع بين الحق والباطل بين الكفر والإيمان بين أهل التوحيد وأهل الشرك وبالرغم من أن الله إصطفى من أقوال أكابرالمجرمين من فسطاط الباطل كلمات وجعلها قرآنا يتلى ويتعبد بتلاوته رغم مجافاتها للحقيقة وقسوتها على قلوب الموحدين كزعم وقول فرعون (( أنا ربكم الأعلى )) إلا أن فعل الله الموصوف بكل كمال والمنزه عن كل نقص يدفعك إلى تدبر هذا الإصطفاء وهذا التوثيق القرآنى لذلك الحدث القرآنى والتاريخى فى ذات الوقت لأنك حتما ستخرج بالدروس والعبر الخالدة التى يهديك الله بها صراطه المستقيم .
فأهم من القول أن يطابق القول الحقيقة فالنمرود قال مكابرا ((أنا أحيي و أميت ))؟!!! قولا مجافيا للحقيقة قولا برصيد وافر من الكبروالغطرسة والغباءمنقطع النظير ولكى يفوت الخليل إبراهيم عليه السلام على ذلك الكافر فرصة الجدل العقيم ولتفويت فرصة الفوز بالزمان والمكان والعقول الشاهدة لتلك اللحظة فتركها له ((بكل مجافاتها للحقيقة والعقل والمنطق ...إلخ)) وقال له (( فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فإت بها من المغرب فبهت الذى كفر )) أعجز الخليل النمرود وأقام الحجة عليه وكانت خاتمة ذلك الكافر بباعوضة ليذوق فى الدنيا أولا العذاب المهين وليتحطم فى أعين من كان يتكبر أمامهم ذلك الصنم المهين (( ولا يعلم جنود ربك إلا هو )) فلم يستطع جنوده وقواته وحشوده ولا كل جنود الإنس والجن لو أرادوا أن يمنعوه من جندى سلطه الله عليه فسبحان الفعال لما يريد .
فمقولة فرعون (( أنا ربكم الأعلى )) قيلت بذات رصيد الكبر والصلف وأيضا الغباءالمستحكم الذى لم يترك الشيطان له سبيل للنجاة من رفقته فى جهنم بالرغم من الأبواب المفتوحة العظيمة جدا التى فتحها الله له ليتوب ويعود إلى الله إذا قال لكليمه وأخيه هارون (( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )) !!!! إلا أنه إستكبروأصر على الحنث العظيم وحشر ونادى وجمع من السحرة أعلمهم (( إئتونى بكل سحارعليم )) (( فجمع السحرة لميقاتنا )) نقل فرعون الصراع وجعله بين أعلم أهل الأرض من السحرة وبين موسى و هارون عليهما السلام وجلس يتمنى أن يغلب السحرة موسى عليه السلام وأخذ السحرة يشترطون عليه (( إن كانوا هم الغالبين )) وفيما بينهم (( أسروا النجوى )) بأن إذا كان موسى نبيا صادقا فتلك فرصتنا إلى التوبة والفوزالعظيم ؟!! ألم أقل لكم إنهم على علم يقينى بالحق والباطل إنهم يعرفون الشيطان جيدا ويعرفون مأله ويعرفون فرعون جيدا لكنهم يخشون بطشه وغباءه ولكن إلى متى إنهم لن يظلوا فى هذا العذاب المهين إنها لحظة تستجمع كل الحياة ويتكون فيها معبرا من الدنيا إلى الآخرة من جحيم الدنيا إلى نعيم الآخرة .
ولعلك تتسائل معى وأنت تتدبر مادمت يافرعون قلت أنا ربكم الأعلى لماذا لم تنصرالسحرة وكيف لم تعلم بنجواهم وكيف لم تمنع هزيمتهم وكيف لم تعلم مسبقا بإيمانهم فلربما لم تأت بهم من الأصل ؟!!!! وأسئلة عديدة سيكون الجواب فيها ما قلناه سابقا أنه قول عبد غبي إستحوذ عليه الشيطان وأنساه ذكرالله وأنه ليس لمقولته مثقال ذرة أو أقل من الحقيقة ولكن فى تلك اللحظة التاريخية والتى وثقها الله عزوجل وجعلها حدثا قرآنيا يقصه بالحق على إمام الأنبياءوالمرسلين صلى الله عليه وسلم ليبلغه إلينا وإلى العالمين قول آخر ولكن القول هذه المرة وحيا من الله إلى كليمه موسى تثبيتا له فى لحظة فارقة تاريخية وأصبحت خالدة قرآنية تتلى آناء الليل وأطراف النهار نصلى بها لله عزوجل فى صلواتنا الخمس المفروضة وفى الخلوات للمحسنين تلك اللحظة الفاصلة الفارقة هى لحظة الإلقاء إلقاء الفريقين لبيناتهم على أقوالهم فريقا أتى يساند بسحره مقولة فرعون (( أنا ربكم الأعلى )) وفريقا من عبدين موحدين لله قال الله لكليمه قائدفسطاط الحق فى تلك اللحظة (( إنك أنت الأعلى )) ولعل تلك الطمأنة الإلهية بصيغة إلهية ووحى إلهى فى تلك اللحظة الفارقة التاريخية تساوى الخلود السرمدى كما قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم لصاحبه (( وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى )) ((لاتحزن إن الله معنا )) .
((إنك أنت الأعلى )) هنا مقولة الله قيوم السموات والأرض الفعال لمايريد وشتان بين المعنيين فلربما المبنى واحد (( الأعلى )) ولكن المعنى شاسع البون بينهما فشتان بين من زعم أنه رب أعلى يعبد من دون الله وبين من ثبته الله بأنه الأعلى فى صراعه وقيادته لفسطاط الحق فى ذلك الزمان ضد أطغى الطواغيت وأكثرهم تكبرا وتجبرا . ((إنك أنت الأعلى )) هنا وحيا من الله لنبيه وكليمه موسى حسما وجزما أنه الغالب بأمرالله ولا راد لأمرالله حينئذ ألقى موسى عصاه بعد أن أوجس خيفة أمام سحرهم وعصيهم وحبالهم التى بدت من سحرهم أنها حيات وأفاعى (( تسعى )) فلما ألقى ملقى الحق عصاه (( فإذا هى تلقف ما يأفكون )) (( فغلبوا هنالك وإنقلبوا صاغرين )) (( وألقى السحرة ساجدين )) وآمنوا برب موسى وهارون الله الذى له ملك السموات والأرض الملك الحق المبين .
فكانوا فى أول النهار سحرة كفرة وآخره شهداء بررة فسبحان الله ذا الفضل العظيم