تحت جنح ظلام الليل تسللت الخالة مكاسب متخفية بسواد ملابسهاوالتى لاتختلف عما بنفسها حتى وكأنها متحدة الظاهروالباطن على ذات اللون الأسود وفى ظلام ذلك الليل البهيم أصبحت قطعة منه فلا يراها أحد أخذت تتسلل وتقترب من منزل أمين علها تظفر بشيء من ملابسه يكون معلقا على الحبال وبالفعل ظفرت بقميص فإنتزعته من فوق الحبال وأسرعت مبتعدة عن المنزل لكنها ما كادت تأخذ حارة جانبية إلا وفوجئت بالدرويش فى وجهها فتملكها الرعب للحظات ثم هرولت مبتعدة والعم شعراوى يرمقها بنظرات حادة قائلا بصوته الجهورى أرادوا الضر بالأخ فوجدوا الأخ معتصم برب الضر والأخ رب النون والقلم وراح يكررها وهى تفر مسرعة بإتجاه بيت لبيب الأعرج المهجور .
وداخل بيت أمين كان هومنغمسا فى حنان ومحبة والديه بعد غياب دام لشهرين كاملين وتلك كانت أطول فترة يغيبها وحيدهم عنهم فى حياته من قبل وراحت والدته تعدد له من صنوف الطعام المحبب له وجلس والده يسامره ويتجاذب معه أطراف الحديث ويسمع منه عن حياته كيف تمضى بالمدينة العظمى (القاهرة ) وفجأة سأله أمين لما سميت بهذا الإسم فقال له والده أنا لا أعرف السبب الحقيقي لهذه التسمية ولكن لعله بسبب أنها قاهرة لأعداء الله عبر القرون ياولدى وأكملا حديثهما والبيت تغمره سعادة لاتوصف لهذا الشمل الذى إلتئم وهذا الدفء والحب والمشاعرالأسرية التى تحوطهم وتغلف وجدانهم بغلاف من الطمأنينة .
خرجت والدة أمين صباحا لإحضارملابس أمين التى وضعتها بالأمس على الحبال بعد تنظيفها لتجف مع ساعات الصباح الأولى فإذا بها تتعجب من أن قميص أمين ذا اللون الأخضر غير موجود بين ملابسه على الحبال وعندما عادت سألت أمين هل أحضره وهى نائمة فنفى ذلك فعلمت أن القميص تمت سرقته فقالت حسبنا الله ونعم الوكيل فقال لها أمين لا عليكى يا أمى سأشترى غيره بإذن الله عند عودتى إلى القاهرة لأنه كان يحب هذا اللون وإرتدى أمين ملابس الخروج وتجهز لصلاة الجمعة وبعد الصلاة جلس مع الشيخ عمران وفاء لوعده له عندما إلتقاه عند محطة القطار وأخذا يتناقشا فى أحوال القرية والبلاد وكيفية الحياة الجديدة بالقاهرة مع جمع من النصائح الغالية من الشيخ عمران الدالى المحب لأمين محبة صادقة وخالصة فى الله ومع وعد من أمين بإلتزام تطبيق تلك النصائح النفيسة .
قبيل صلاة المغرب كانت الخالة مكاسب قد أعدت الأشياء التى طلبها منها الساحرلبيب الأعرج ووضعتها فى قفص غلفته بالقماش كى لا يرى ما بداخله وتسللت إلى بيته المهجور فى أطراف القرية وكانت قد أعطته قميص أمين الأخضر من قبل ودخلت عليه قائلة عذبتنى بطلباتك الغريبة فصرخ فيها إخرسي _دى أوامرالأسياد _ ماتنطقيش بكلام يا ست يإذيكى فإرتعبت وصمتت وأعطته القفص فنزع القماش من حوله فإذا به حمامتان سوداوتان اللون ذواتا عينين برتقالتى اللون كقرص شمس الشفق وجلد جدى مذبوح حديثا وبعض الأقلام والأحبار مختلفة اللون وبعض ملابس إبنتها الداخلية فأخذ منها تلك الأشياء وطلب منها المغادرة ليبدأ عمله الشرير مع من جندهم له الشيطان من شياطين الجن لتحقيق مآربهم الخبيثة .
فى تلك الليلة وأثناء نوم أمين رأى فى منامه كأنه سائر فى طرقات القرية وبيده إناءين واحد صغير والآخركبير وبهما ماء فألقى بما فى الإناء الصغير بقوة إلى السماء فإذا بالسماء تمطر مطرا شديدا جدا جدا وبأن القرية من شدة الأمطار أنبتت زروعا وأشجارا بسرعة حتى وكأنها تحولت إلى غابة من الزروع والأشجار ورأى أنواع من الحيوانات بدأت تتحرك هنا وهناك وفجأة خرج جمع من الذئاب ورآهم متجهين نحوه لمهاجمته فإذا به يتراجع لمنزله وهو يتأمل تلك المشاهد وحريص على تأمله وتدبره والذئاب تهاجمه وهو يتراجع ومصرعلى التأمل وفجأة وجد بيده عصا يدفع بها الذئاب عنه ويتراجع ليغلق بابا زجاجيا يتأمل من خلاله المشهد وحاول ذئب منهم الدخول إلى داخل المنزل إلا أنه نخسه بالعصا نخسه ردته للخارج ومنعته من الدخول وأغلق الباب الزجاجى وظل يتأمل ثم إستيقظ أمين من نومه متعجبا من رؤياه وجلس على سريره يسترجعها فى ذهنه ثم سمع آذان الفجر فقام ليتوضأ ويصلى .
مر أسبوع الإجازة كحلم جميل قضاه أمين ما بين أسرته وأهله وأصحابه وأقرانه وأصدقائه ثم جاء يوم الخميس وأعد عدته ليركب قطارالسادسة صباحا المتجه إلى القاهرة ليكون فى التاسعة تماما هناك حتى يصلى الجمعة فى الجامع الأزهر كما تعود هو وزملائه بالجامعه حيث خطب الأزهر الجامعة المانعة الماتعة وتجهز أمين وجهز حقيبته وأحضر له والده حنطور ليقله إلى محطة القطار وعند الخروج من المنزل وجد عم شعراوى أمام المنزل باكيا فذهب نحوه وسلم عليه سائلا إياه بحنانه المعهود ما يبكيك يا عم شعراوى فقال وهويبكى أنياب الذئاب يا أمين !!! فللحظة تذكر أمين رؤياه ثم أمسك بيد عم شعراوى وقال له تعالى إركب معى يا عم شعراوى تعالى معى إلى محطة القطار وستعود مع والدى وبالفعل ركب معهما فأعطاه الحاج يوسف دياب والد أمين طعاما فأخذ يلتهمه مخلوطا بدموعه وأمين يربت على كتفه محاولا طمأنته وتهدئته وبعد وصولهم وقبل أن يصعد أمين إلى عربة القطار سلم عليهما وودعهما فأمسك شعراوى بكتفى أمين قائلا له إمسك فى حبل الله بكرة القميص راجع !! بكرة القميص راجع !! وأخذ القطار يتحرك ووالده يلوح بوداعه والعم شعراوى يكرر كلامه وكأنها ترنيمة مقدسة وإختفى عن أعينهما القطار فقفلا عائدين إلى القرية .