وكان منطلق الحوار حول عبد الله ( الذى ) عنده علم من الكتاب ) من يكون ؟! هل هو جندى من جنود نبى الله سليمان عليه السلام أم هو نبى الله سليمان نفسه ؟! وإذا كان جنديا من جنوده هلى هو إنسى آدمى أم جنى ؟! والحقيقة أن الله عزوجل حين إصطفى اللسان العربى المبين ليختم به الرسالات والكتب إنما هو إصطفاء العليم اللطيف الخبير علام الغيوب سبحانه فإن السياق اللغوى العربى وبلاغته الإعجازية فى القرآن الكريم ما تركت شاردة ولا واردة إلا وذكرتها وأنبأتنا عنها خير إنباء عن الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم الذى أحسن البلاغ على أكمل وجه عن رب العالمين فالله عزوجل مالك مقومات الحدث كما أسلفنا إصطفى لنا هذا الحدث من زمان معين هو زمان نبى الله سليمان عليه السلام حيث آتاه الله النبوة والملك والحكم وسخر له من جنوده مالا يعلم إلا الله إنسا و جان وريح وحيوانات وطيور وعلمه منطقهم وآتاه ملكا عظيما لم يؤتاه أحد من بعده كما دعا رب العالمين فأجابه سبحانه وهذا المشهد أو الحدث أن الهدهد حين أخبر نبى الله سليمان عليه السلام عن قوم سبأ وملكتهم بلقيس وعبادتهم للشمس من دون الله عزوجل وأرسل لهم نبى الله يدعوهم إلى التوحيد والإسلام لله عزوجل فأرسلوا له الهدايا والأموال من عرض الدنيا أراد نبى الله عليه السلام أن يريهم قوة فسطاط الحق وأن الدنيا ليست هى مراد أهل هذا الفسطاط عن زهد فيها لا عن إفتقارإليها وعن قوة وقدرة بفضل الله مسبب الأسباب على أسبابها لا عن ضيق ذات اليد فى إمتلاك أسبابها .
ولما كان عرش ملكتهم بلقيس رمز ملكهم ومضرب الأمثال لذلك الملك الكبير بهذا العرش العظيم فأراد نبى الله سليمان عليه السلام أن يضرب وبقوة فى أعلى الرمز وعنوان الملك لديهم فطلب من الحضور من جنودالله بين يديه ( قال يا أيها الملأ أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين (38) وهنا خطاب بين النبى القائد الملك وبين الحاضرين من جنودالله المأتمرين بأمره وهنا يجب أن نتوقف ونطوف حول أكثر من معنى لهذا المبنى القرآنى المعجز فأولا من المحال أن يطلب نبى الله سليمان عليه السلام من جنوده أمرا يستحيل عليهم آداؤه أو لا يعلم هو قدرتهم على تنفيذه وإنما طلب منهم طلبا أو أمرهم أمرا يعلم تماما أن جنوده قادرين على تنفيذه ولكن صياغة الطلب تنبئك عن المراد فلقد حكم التنفيذ للطلب أو للأمربمحددات أولها من من جنوده ؟ شخوص 1 يأتيه بعرش ملكتهم بلقيس ؟تفاعلات 2 من اليمن إلى الشام ؟ مكان 3 قبل أن يأتوا إلى نبى الله سليمان مسلمين ؟ زمان 4 ونتائج 5 فكانت الإجابة أولا من عفريت من الجن ( وفيهم السرعة ) قائلا أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ( وقد بين المفسرين أن مقامه قد يكون ساعة أو ساعتين ) ؟!! وبالتأكيد هى سرعة كبيرة جدا قياسا بذلك الزمان وتلك قدرة ذلك الجندى الجنى (الموحد) من جنود نبى الله سليمان والذى يؤكد لك أنه موحد قوله ( وإنى عليه لقوى أمين ) وإصطفاء الله لكلامه وجعله قرآنا يتلى ويتعبد بتلاوته لخير دليل وخير توثيق لتلك الحقيقة .
ثم تحدث جندى آخر آدمى من الإنس طالبا لتنفيذ الأمر فى زمن قياسى مذهل معجز هو (طرفة عين ) ؟!!! قائلا ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) ؟!!! ثمان كلمات فيهم الإبهارذاته والإذهال بعينه فيهم اليقين و الثقة بكمالها فى القدرة الموصولة بالله رب العالمين ؟!!! وكأنه يقول أنا آتيك به ( بكن فيكون ) ؟!!! إنها بالفعل طرفة عين (كن) فكان ؟!!! (فلما رآه مستقرا عنده ) (قال هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر) ( ومن شكر فإنما يشكرلنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم ) سبحان أصدق القائلين الله رب العالمين لكن من قال لك أنه إنسى آدمى ؟ ولما لا يكون نبى الله سليمان نفسه عليه السلام ؟!! نقول بعد حمد الله إن بلاغة القرآن الكريم وإعجازه اللغوى ماترك شيئا إلا وأنبأنا عنه ما دام يسير بنا فى صراط بلوغ مراد ربنا المستقيم فقول الله عزوجل عن الجندى الأول (( قال عفريت من الجن )) تمنحك الجواب عن القائل الثانى (الذى عنده علم من الكتاب ) فأولا بمقتضى خلافة آدم عليه السلام وذريته لله عزوجل بصيانة العهد بالتأكيد ( لاينال عهدى الظالمين ) فإن الآدمى الموحد لله عزوجل العارف بالله الموصول به سبحانه يؤتيه الله من فضله ويعلمه (( وإتقوا الله ويعلمكم الله )) وقول الله سبحانه ( الذى عنده علم من الكتاب ) تؤكد أنه إنسى آدمى لأن الكتب السماوية والرسالات هى نزلت على الأنبياء والرسل للمكلفين من الثقلان من الإنس والجان وبما أن المتحدث الأول بين الله عزوجل أنه من الجان ( عفريت من الجن )( فإن المتحدث الثانى آدمى بالتأكيد ) كما أن سلطان العلم مطلوب من الثقلان وقوله عزوجل ( عنده علم من الكتاب ) أى أنه تلقى هذا السلطان وهذا العلم عن الله من الكتاب ( كتاب سماوى ) ( لعله الزبور) إذ أن نبى الله سليمان كان من بعد أبيه نبى الله داوود عليه السلام الذى آتاه الله الزبور .
وحيث أن إتمام المهمة وتنفيذ الأمر كان فى طرفة عين فإن ذلك تم بأمرالله ( كن ) وهذا يقينا لا يكون إلا بتوحيد خالص لله عزوجل على معرفة و صلة فلابد من الجناحين معا ( المعرفة و الصلة ) وهو ما يؤكد أن ذلك العلم من الكتاب هو علم التوحيد أشرف العلوم على الإطلاق وصاحب أشرف موضوع لعلم على الإطلاق (المعرفة بالله والصلة به سبحانه)وهوالعلم السيد العلم المهيمن ولاريب ومن أجل ذلك يشن الشيطان وحزبه حروبه ومعاركه على التوحيد وأهله سواء بالسحر( وهو علم صلة الساحربالشيطان لتسخيرجنوده من الشيطان لآداء مهمات شيطانية وإيذاء لعبادالله عزوجل ) وهو صراع دار من قديم الأزل بين علماء السحر و علماء التوحيد وكان النصر فى هذا الصراع دوما لصالح التوحيد وأهله وقد قص الله علينا فى القرآن نماذج لهذا الصراع وماتم فيها من نصرالله للموحدين كقصة الغلام وأصحاب الأخدود وكقصة كليم الله موسى والمحبب هارون عليهما السلام مع فرعون وسحرته وأيضا سيدنا إبراهيم خليل الله مع النمرود وسحرته وإهلاك الله لهم بإذلال وإهانة وقصة كليم الله عليه السلام مع السامرى وإلهه الشيطان (فى جسد العجل الذهبى ) وغير ذلك حتى قصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع الساحراليهودى لبيد بن الأعصم وهى القصة التى ظهرت للعيان ( وهم بلا أدنى شك لم يتوقف كيدهم أبدا ) ولكن كما ذكرنا فإن نصرالله دوما للموحدين ليس فقط من الأنبياء والمرسلين وإنما لعباد الله الموحدين أجمعين (( إنا لننصررسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .
والشاهد أن هذا الجندى من جنودالله فى جيش نبى الله سليمان عليه السلام كان عبدا موحدا ربانيا يقل للشيء كن فيكون ( عبدى أطعنى تكن عبدا ربانيا تقل للشيء كن فيكون ) ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) وكلنا يعلم قصة تائب بنى إسرائيل الذى أمطرت السماء بمجرد توبته الصادقة فيمابينه وبين الله عزوجل فى طرفة عين بعد أن كانوا ظمأى ممنوعين المطر وغير ذلك مما وثق وكتب عن كرامات الأولياء (الصحيحة) فى زمان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله تعالى عنهم وأرضاهم ومن بعدهم فى زمان التابعين وتابعى التابعين فى القرون الخيرية الثلاثة الأولى وهو مالم ينقطع كذلك فى قرن من القرون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عزوجل يبعث على رأس كل قرن (مائة عام ) من يجدد لهذه الأمة دينها أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهو بالتأكيد عبدا موصولا بالله موحدا له ولكن كيف نحسم ونجزم بأن هذا الجندى الموحد ليس هو نبى الله سليمان عليه السلام ؟! تعالوا نطوف معا مرة أخرى حول المبنى والمعنى القرآنى لنقتبس من أنواره ونهتدى بها فى تيه هذا العالم الذى تكاد الظلمات والظلم يطبقان عليه ( لولا أولوا بقية ) من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و يؤمنون بالله . فالحوار الذى قصه الله علينا فى القرآن الكريم دائر بين نبى الله سليمان عليه السلام وبين الحضور عليه السلام ولا يستقيم الأمر لغة وبلاغة أن يقول نبى الله سليمان عليه السلام لنفسه ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) ؟!!!! آتيك و إليك و طرفك ثلاث كلمات بالكاف ضميرا للمخاطب ويستحيل أن يخاطب بها سليمان عليه السلام نفسه فإذا قال قائل يخاطب العفريت من الجن ( تحديا ) نقول بفضل الله إن هذا لا يستقيم وسياق الحديث القرآنى المعجز إذ أن الأمر لم يكن تحديا على الإطلاق لا بين القائد و جنوده ولا بين الإنس و الجن وإنما هو طلب وأمر من قائد لجنوده من فسطاط الحق بمحددات ومواصفات معينة فمن ينجز المهمة ؟ فأنجزها (الذى عنده علم من الكتاب ) الآدمى كما بينا سالفا .
وهومايبين قوة جنودالله فى فسطاط الحق ( سواء الإنسى أو الجنى أو غيرهم والهدهد مثالا ) وأن جنديا واحدا منهم لديه هذه القدرة وتلك الطاقة المهولة موصولا بالله عزوجل (( وما فعلته عن أمرى )) فما قال الخضرعليه السلام لكليم الله موسى عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة والسلام إلا ليبين أنه ما من عبد موحد موصول آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما إلا ويأتمربأمرالله معرفة به سبحانه وصلة به سبحانه على علم ومعرفة بالله هو علم التوحيد كما بينا بجناحيه المعرفة و الصلة والطائر يستحيل أن يطير بجناح واحد ؟!!! ومن أجل ذلك كان خيرتعقيبا وخيرختام على آداء المهمة وتنفيذ الأمرالسليمانى هو قول نبى الله سليمان عليه السلام ( فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر فمن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم )) هكذا رد الفضل لصاحب الفضل وبين حكمة من حكم الله وهى الإبتلاء أى الإختبار وأن مردود فضل الله يجب أن يكون شكرالنعمة لا كفرانها وأن من يشكر فإنما يشكر لنفسه ((ولئن شكرتم لأزيدنكم )) وأن من يكفر فإن رب العالمين ( غنى ) ( كريم ) غنى عن الكافرين و كريم مع الشاكرين (( بزيادتهم من فضله سبحانه )) (( ولئن كفرتم إن عذابى لشديد )) ومن أجل ذلك كان المؤمن القوى خيروأحب عندالله من المؤمن الضعيف وكلنا يعرف ويعلم يقينا كيف كان إسلام حمزة بن عبدالمطلب و عمربن الخطاب فارقا فى تاريخ الإسلام لكن أيضا كن دخولهم فى دين الله وتوحيده ومعرفته والصلة به سبحانه نقطة تحول فاصلة فى حياتهم فكيف كانوا قبل الإسلام ومن أصبحوا بعد الإسلام !! وغيرهم من نماذج ورجال الإسلام المبهرة كسيف الله المسلول خالد بن الوليد و كالصديق أبى بكر وحيي الملائكة عثمان بن عفان ذوالنورين والإمام الملهم على بن أبى طالب وغيرهم كثير مما يضيق المقام بذكرهم والشاهد ختاما وأعذرونى فى الإطالة أن العبد الموحد لله عزوجل معرفة وصلة هو فى الجندية لله عزوجل طود شامخ وجبل راسخ لا يستطيعه البطلة السحرة فشتان بين طاقة و قدرة وقوة الموصول بالخالق سبحانه و طاقة وقوة وقدرة الموصول بالمخلوق مهما كان هذا المخلوق حتى ولو كان الشيطان الأكبرإبليس
ووجه عملته الجحيمية الجهنمية من الإنس الدجال عليهما لعائن الله التامة نقول بحمد الله وفضله أنه لا قبل لهم مجتمعين إنسا وجان بجندى واحد موحد موصول مخلص لله عزوجل ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأختم بالإستغفار لى ولكم وللموحدين أجمعين وحتى ألقاكم على خيرأترككم فى حفظ الله عزوجل وأمنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أمين بدر . مصرالحبيبة . الثانى من ربيع أول 1443 هجرى الموافق 8/10/2021 الجمعة .